بقايا صور - حنا مينة

    كانوا يخرجون بأبي المريض على محمل..
    وكانت أمي تبكي وراءه.
    بقايا صور لحنا مينة
    بقايا صور - حنا مينة
    وحين غاب عن أنظارنا ، عدنا إلى باحة الدار ، عبر البوابة الكبيرة التي بدون الباب..
    وكانت الدار واسعة ، وباحتها متربة ، تطل عليها فتحات غرف معتمة ، ورطبة ، ولأبوابها درجات حجرية ، تجلس عليها النساء ، أو يبكي الأطفال ، وقد يتكئ الرجال ، لسبب من الأسباب.
    وكان في الباحة خليط من النفايات ، وفي أطرافها مواقد وأحطاب ، وتنكات زهور ، وفيها ياسمينة ، وعلى أرضها دجاجات وأقذار ، وسيارة فورد ، وكومة برتقال.. وكان رجل يجلس على رفراف سيارة الفورد ، واضعا يده على خذه ، ناظرا إلى كومة البرتقالات ، وامرأة تجلس على حجر ، وتلقم طفلها ثديا أصفر مترهلا.
    في هذه الدار ولدت . وقد ضاع تاريخ مولدي ، رغم أن أبي احتفل به بتوزيع طبق ((المشبك)) الذي كان يصنعه ويبيعه كل يوم ، وأن أمي الصغيرة ابتسمت - كما قالوا - للنبأ ، لأني الصبي الوحيد بعد ثلاث بنات ، والصبي الذي سيبقى وحيدا لأن إخوته سيموتون الواحد بعد الآخر ، بالملاريا والتفوئيد والجدري ، وفي حال الفقر تبلغ حد الجوع
    وحين كبرت ، دهش معلمي في المدرسة الابتدائية ، لأن تاريخ ولادتي المسجل في الأحوال المدنية هو : 1911 ، وقال لي وهو يمسح رأسي :
    - هذا غير ممكن يا صغيري . أنت ، في هذه السن ، أكبر مني! هناك خطأ ، من الذي ارتكبه؟
    صمت مدهوشا . تبادر إلى ذهني أن المعلم سيطردني من المدرسة ، وأن والدي سيضربه الدرك ويحبسونه بسبب هذا الخطأ. كنت خائفا ، ولا أعرف بماذا أجيب ، فصرفني المعلم بلطف ، وأوصاني أن أدعو والدي لمقابلته ، وقد أبلغته فجاء ذات صباح ، وانحنى أمام المعلم واضعا يده على صدره ، ولم أسمع ما قال له..........(بقايا صور - ص ص 65 ، 66).





    ضع تعليق

سياسة الخصوصية | اتصل بنا | copyright 2013 © 2014 مجرة الكتب